الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

نشأة الأرثوذكسية كهرطقة أبيونية

نشأة الأرثوذكسية كهرطقة أبيونية




الهدف من هذا البحث:


ما نُريدهُ من هذا البحث هو أن نتعمّق فيما ظهر لنا عن طائفة مسيحِيّةٍ ظهرت في القرونِ الأولى , وانتهَت قبْلَ مجيء الإسْلامِ بقرنٍ ونِصْف ... وهذه الطائِفَةُ هي ما يُطْلَقُ عليْهِم اليهود المُتنصّرون أو ما يُطلق عليهم مجازا الأبيونيون , ثُمِّ كيف أن الأرثوذكسية النيقوية (1) , في حقيقتها ماهي إلا هرطقة نشأت عِناداً في هذهِ الأبيونية وخرجت مِن ثوبِها .. فزادوا في تحْريفِ دينِ المسيحِ , وأمْعنوا في تشْويهِ وتعْطيلِ شريعةِ موسى .. فما كان إلا أن رحِمَ اللهَ أرْضَ المسيحِ , قبْلَ أن يسْتَفْحِلَ فيهِم الشر , فخرج إلى الوجود نبي الله مُحمّد صلى اللهُ عليْهِ وسلّم .. فجاءَهُم وما عرفوه .. وأتمّ اللهُ وعْدَهُ وورِِثت أمّتهُ الملكوت .. وصارت بلادُ المسيحِ منذُ ألفٍ وأربعمائِةِ عامٍ وإلى اليوْم لا تُسبِّح ولا تُمجِّد إلا إلها واحدا ... ودخلت طوائِفُ النصارى أيا كان المُسّمّى (الابيونيون , الآريوسيون , الأرثوذكسيون , الملكانيون , المريميون ... ) إلى دينِ اللهِ أفْواجا.



سنُثبِت بحول الله تعالى :

أنّ الأبيونيين ما كانوا إلا الورثة الشرعيين لمسيح الله ... ثمّ نُثْبِتُ كيْفَ أنهم حرّفوا بعد ذلِك وغيّروا ... ونتطرّقُ لِعقائِدِ الفِرَقِ الأبْيونِيّة كما ذكرتْها مصادِرُهُم التاريخِيّة , وكما حكاها آباؤهُم الأوائِل ... نُجلِّي حقيقَتَهُم كامِلَة .. ثم نُبيِّنُ كيْفَ خرجت منهم هرطقة وبِدعة حرّفت الكتابَ الأبيوني واتّخذتْه مصدراً لها
فخرج الإنْجيل الحالي الذي بيْنَ أيْديهِم كنِتاجَ تغييرٍ وتحْريفٍ مُباشِر و غير مُباشِر للاناجيل الأبْيونِيَة.


وسنُبيِّنُ كيف ساهمت الوثنِيّةُ بالقِسطِ الأكْبَرِ في خروجِ هذه العقيدة المسيحية الحالية إلى النور في القرن الرابع الميلادي حين
تلاقَحَت العقائِد الأبيونية والآريوسية والوثنِيّة الرومانية ليخْرجوا للعالمِ بإسم جديد وهو المسيحية الكاثوليكية ثم الأرثوذكسية ... ثمّ زوّروا التاريخَ وغيّروا فيهِ وأعادوا كِتابته ليناسِبَهُم ويوهِم ذويهِم أنهم الورَثَةُ الشرْعِيّون لدينِ المسيح .!!


وهكذا فقد أعاد أتباع بولس الطرسوسي كِتابة التاريخ بمساعدة الإمبراطور الوثني قُسطنطين و أمه هيلانة ..!!




الدافِعُ لِهذا البحْث :

لم يمْنَع ما ألمّ بِأهلِ الإسْلامِ مِن الغفْوةَ .. اسسْتِمرار دخولَ النصارى في دينِ اللهِ أفْواجا .. فاتّهم بعض الوضاعين والأفّاكين في الأواسط المسيحية رسول الله محمداً - صلى اللهُ عليْهِ وسلّمَ - بانه أخذ تعاليمَ دينه وروحانيّة القرآن العالِيةِ التي لا تُقاوَمُ مِن الإنْجيل , وصوّروا لِبنيهِم أنّ دعْوَةَ رسولِ اللهِ لم تكن إلا امتداداً لنصْرانِيَة مُنْقرِضَة هرطوقِيّة أسْموها اليهود المُتنصِّرون , أو ما عُرِفوا بعْدَ ذلِكَ بـ" الأبْْيونِيّين" , وما ذلِك إلا لمُحاولة مِنْهُم في صرف الأنظار عن دينِ الإسْلام أوّلاً ... ولِتخْديرِ بنيهِم وذويهِم عن البحْثِ عن حقيقة هذه الدعوة الأبيونية ثانِياً , ولكِن أتاهُم من اللهِ مالم يحْتسِبوا ..


وهكذا انطَلَقتِ الإرساليات النصرانية ودُعاتِها , إلى تجييشِ الأقلِّيّاتِ من أبنائِهمِ في دُول الإسْلام ضِدّ الإسْلامِ وأهْلِهِ .. ويدْفَعُهُم إلى ذلِكَ دفْعاً ما وجدوه في بنيهم وذويهِم الذين هجروا الوثنية وتعبّدوا للهِ بالوحْدانِيّة فصاروا إلى دينِ اللهِ أفْواجا... لقد هالَهُم وأقدّ مضْجَعَهُم أن أشْرَقت شموسُ الحقِّ على كل بيوتِ نصارى العرب .. فما مِن بيْتٍ مِن بيوتِهِم إلا طالهُ الإسْلام , ودخَلَهُ الإسْلام ...



فانْطلَقَ الهمَجُ الهامِجُ من تِلْكَ الإرْسالِيّاتِ النصْرانِيّة إلى لمْلَمَةِ شتاتِ بنيهِم وذويهِم , بِتبْشيعِ الإسْلامِ في أعْيُنِهِم , والترْويجِ إلى دعاوى سقيمة سمِجة تتبخّر أمام مُطالبتهم بالأدلة على ما يقولون , وفِكر مهزوم ينقلِب عليهم حسرة ومذلة حين يُواجَهون ..!! , وتدليس مُهترِىء لا ولن يقوى بحول الله على الصمود أمام معاول الحق قبل معاول النقد .


وموْضوعُنا هذا هو لتفنيد أحدُ هذه الدعاوى الحقيرة التي تُروِّج لها تِلْكَ الإرْساليّات الضالّة بيْنَ بنيهِم , وحقارتُها تتّضِحُ إن عرفنا أنّهُم يأخُذونَ من عقائِدِهم المسيحِيّةِ ما يُعيبُهم ويُحاوِلُون نسْجَ قميصٍ مُهلهلٍ على مِنْوالِهِ لا يستُر صاحِبه , و يُريدون أن يُلبِسوهُ عنوة لمن سترهم لباس التقوى والحق ... ولكنهم بِجَهْلِهِم نبشوا تِلك الحقائِق التي توارت في كتب التاريخ نبشاً , فخرجَت لترتمي بيْنَ أيْدينا لنُخْرِجَ ما أخْفوه إلى النور مرة أخرى .. وهكذا كان لابد له أن يضع المسيحي الضال بيديه مفاتيح الحقيقة و يفضح نفسه بنفسه , وإن ربك لبالمرصاد.


وأخيراً نسْأل اللهَ تعالى أن يُعيننا في أن نُلقِمَ مُعانديهِم ومكابِريهِم بِأمْرِ الله - حجارةً ملتهِبةً , وقذائفَ حقِّ , مُدعمةٌ بسيل لا يُرد من الأدلة المُوثقة , ونسأل الله تعالى أن يكون على الباحِثينَ عن الحقِّ مِنْ بيْنِهِم بلْسماً صافِياً يكونُ سبباً في أن يقودَهُم إلى الهُدى والنور .. والله أسأل أن يُوفِِّقنا في عرْضِهِ , وإخْراجِهِ , وأن لا يحْرِمنا من الإخْلاص .. ونسْأل الله أن يُرينا الحق حقاً ويرزُقنا اتباعه وأن يُرينا الباطل باطلاً ويرزُقنا اجتنابه .


و بحول الله تعالى نبدأ سبْر الحق وليس إلا الحق , ونترك أدلتنا تحد مفتوح لكل من تُسوِّل له نفسه الإقتراب من هذه السطور.


_____________________________
(1) تِلك العقيدة التي نشأت في نيقية بمُباركة الوثني قسطنطين عام 325 ميلادية


=======================================================


الفصل الأول :



يهودية [1] المسيح و رُسُلُه:




لا يُنكِر أحد , بل ولا يستطيع أحد إثبات أي شيء غير أن المسيح عليه السلام كان يهودياً مئة بالمئة , ما يتغاضى عنه المسيحي أو يمُر عليه مر الكِرام هو أن المسيح عيسى (يسوع) يهودي ..!! , ومن يُطالِبنا بإثبات ان المسيح يهودي , فهو كمن يُطالبنا بإثبات أن الماء من السوائِل ...!! .


المسيح كان يهودي[2] , وأي تقييم لأقواله وافعاله ومصيره .. يصرخ بأنه يهودي ..!!




المسيح عيسى النبي كان يهوديا
يسوع الإله كان يهوديا ,



أيا كان المسيح نبيا للمسلم او الإله للنصارى فهو يهودي يا سادة وإلى آخر لحظة في حياته قضاها يهودي[3] فعاش يهودي وعلّم باليهودية و رُفِع يهودياً.





إن من يتتبع تاريخ الكنيسة بعد صعود المسيح , سيجِد أن:


الكنيسة الرئيسية التي ورِثت تعاليم المسيح , هم أيضاً مثل المسيح تماما يهود ... لقد صارت الكنيسة اليهودية هي الوريث الشرعي للعقيدة التي تركها المسيح : كنيسة أورشاليم (اليهود المُتنصّرون أو النصارى المُتهوِّدون ) [4] في أورشاليم بقيادة يعقوب أخو الرب ورُسُل المسيح ...



هم الذين عرفـوا المســـــــيح وعرفهم
وصدّقوه وصدّقهم , وآمنوا به وأعتقهم
اثنى عشر يهودياً رئيساً في يوم الدينونة


هؤلاءِ الرُّسُل الإثْنى عشَرَ جميعاً كانوا يهود , وهم يدينون أسباط إسرائيل , ويجلِسون على اثنى عشر كُرسي , أثنى عليهم المسيح وأثنوا عليه , أورثوا تلاميذه تعاليمه وأورثهم هو الملكوت , رُسُل المسيح ورثة التعاليم والاقوال الإلهية اليهود... عاشوا يهودا وماتوا يهودا ...






________________________


[1] ملحوظة للقارىء المُسلِم : حين نقول أن المسيح عليه السلام يهودي ... فنعني أنه يهودي التشريع , على شريعة موسى , ولا نقصِد الدين .. وإلا فهو مُسلِم على دين الإسلام , لأن دين الله واحِد لا يتغير و لا يتبدل .... وهو دين الإسلام.


[2] يهودي الشريعة والملة , وذلِك حسب المعنى الميسحي و اليهودي للكلِمة وإلا فهو مُسلِم الديانة حسب الفهم الإسلامي الصحيح.

Tony Higton, letter, in The Times, 9 October 1993 reporting on the latest definition of Jesus in the New Shorter Oxford English Dictionary.




[3]
  • Rabbi Harvey Falk, Jesus the Pharisee: A New look at the Jewishness of Jesus, NY, 1985, p.158
  • A.N.Wilson, Jesus, Sinclair Stevenson, 1992, p.68
[4] History of Dogma - Volume I. by Adolf Harnack (Grand Rapids, MI: Christian Classics Ethereal Library), p.175.

 =========================================================
(2)



كنيسة أورشاليم " النصارى المتهودون"







" النصارى المُتهوِّدون" هم المسيحِيّون الحقيقيّون :


يؤكد أستاذ التاريخ الكنسي أدولف هارناك في تاريخه [1] عن رُسُل المسيح وأتباعه أنهم يهوداً مثلهم مثل نبيهم المسيح عليه السلام ... و يُضيف أنه من الخطأ استخدام اللفظ " اليهود المتنصرون " ونعتِهِم به في كل الأحوال دون التدقيق في حقيقة الإسم ومعناه : بل الصواب أن يُسمّى اليهود المُتنصِّرون بالمسيحيين , فكل من يؤمن بأن المسيح هو انسان بشري اصطفاه الله بالنبوة هم المسيحيون الحقيقيون من الإثنى عشر قبيلة في إسرائيل .... ومن الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون هو اعتقاد أن اللفظ " اليهود المتنصرون" يعني وكأنهم دُخلاء على المسيحية في حين أنهم هم أصل المسيحية والوريث الشرعي لها. [2]






بل ويرى هارناك ان المسيحية قسمين :


المسيحية الأصيلة و المسيحية اليونانية





فالمسيحية الأصيلة هم ما نُطلِق عليهم اليهود المتنصرون


والمسيحية اليونانية هم الامميون بطوائفهم [3] .



فبابياس ليس نصرانياً مُتهوّد وانما مسيحي اصيل , وأما أوريجانوس مثلا فإنه ليس مسيحيا وانما أممي يوناني[4]. وهؤلاء الامميون اليونان انقسمت وتطورت عقائدهم عن تعاليم اوريجانوس فصاروا فرقاً وطوائِف شتى خرجت جميعها من مدرسته الفلسفية في الاسكندرية إلى أن اعتلت طائِفة منهم ظهرت فيما بعد الصدارة وهم الأرثوذكسية الملكية (الكاثوليكية) فأصبحت الديانة الأولى على يد الوثني قُسطنطين.


إذاً الأرثوذكسية الحالِيّة ليست المسيحية الحقّة وإنما هي فكرة يونانية , و ما يقوله هارناك عن الأصول اليونانية للأرثوذكسية هذا ليس من قبيل الوهم أو ضرباً من خياله هو, وإنما هي حقائق موغلة في القِدم و قد سبقه بها آب من أباء الكنيسة التي تقف له الكنيسة إجلالاً وتعظيماً وهو إكليمندوس السكندري ..





وقسم إكليمندوس السكندري ... المسيحية إلى قسمين :
يهـــــــــود و يونـــــــــان ...



فقال اكليمندوس :
" إذا اتبع الأجنبي الشريعة فهو يهودي
وإن لم يعمل بها فهو يوناني" [5].





إذاً فكما رأيْنا :

1- اليهود المُتنصرون هم أصل المسيحية وورثتُها الشرعيون .

2- مُصْطَلَحُ "اليهود المتنصرون" يحتمِل المغالطة , والأولى أن يُسْتعاضَ بــ"المسيحيون الأصلاء" , كما يرى علماء التاريخ الكنسي .

3- المسيحي الأصيل : هو كُلُّ مسيحي يُنفِّذُ شريعة موسى كما فعل المسيح والرُسُل

4- كُلُّ مسيحي أصيل هو في الحقيقةِ يهودي (وهذا ما أدّى إلى ظهور الإسْم"نصارى متهودون).

5- الأرثوذكسية الأممية عقيدة يونانية تخلّت عن تعاليم كنيسة أورشاليم والمسيح ورُسُلِه وهجرت الشريعة الموسوية.

6- الإسْم الديني الأصْوَب لمن هجر تعاليم موسى من المسيحيين " اليونان"



إذاً المسيحيون الأوائل وأصل المسيحية (هم اليهود ) , وليس هم أصحاب التعاليم اليونانية[6].... وظلّوا يُمثِّلونَ كنيسَةَ أوْرْشاليم , وعاشوا بِفِلِسْطين إلى أن أجْبَرَهُم سقوطُ أوْرْشاليم إلى الخروج إلى سورْيا ... وظلّت دِيانةُ المسيح يهودِيّة لا يشوبُها شائِبَة حتى قرابة نهاية القرن الاول الميلادي...




أمّا بعْدَ القرْنِ الميلادِيِّ الأول وبعْدَ سقوط أورْشاليم وكنيسة أورْشاليم ...


فإن أتْباعَ المسيحِ من هؤلاءِ اليهود انقسموا إلى فِرق وجماعات في القرْنِ الثاني تمايزت فيما بينها ..


1- فمِنْهُم جماعاتٍ حافظوا على يهودِيّتِهِم وعاشوا يهوداً وآمنوا كما آمن اليهود بان ديانتهم قوميّة تقتصِر على اليهود وحسب ...


2- وفريق آخَر نشَأ عنْهُم وخرَجَ مِن ثوْبِهِم , ولكِنّهُ فريقٌ آمَن بعالمية هذه الديانة .... و من آمن بعالمية هذه الديانة هم من يُدقِّق عليْهِم عُلماء التأريخ المسيحي بتسميتهم النصارى المُتهوِّدون.


3- وخرَجَ من الفريقِ الثانِي فيما بعْدَ فريقاً آخَر طعّموا عقائدهم ببعض التأثيرات من الفلسفة اليونانية .[8]



إذاً فقد صارَ لِزاماً أن تنبّه إلى ما يعْنيهِ كل عالمٍ من علماء التاريخِ الكنسي حينَ يسْتَخْدِم المُصْطَلَح " النصارى المُتهوِّدون" :


1- فإما يعني أتباع المسيح , ورُسُلُهُ وتلامِتُهُم مِن اليهودِ المُلتزمين بشريعة موسى في القرن الميلادي الأول وديانتُهُم قوْمِيّة تقْتصِر عليْهِم كيهود ... !

2- أو سواءاً كانوا مِن الأمميِّين , ومُلتزمين بشريعة موسى في القرن الميلادي الثاني والثالِث وديانتُهُم عالمِيّة لا تقْتصِر على اليهود .. و كانوا هم الغالبين في فلسطين بلا مُنازِع في القرن الثاني وما بعْدَه [7] , و رُبما في بعض المقاطعات المحيطة.
ويتبع ....


______________________________________

[1]History of Dogma, p.176

[2]Ibid.

[3]Ibid.

[4]Ibid.

[5] Clem. Homil. XI. 26.

[6]History of Dogma - Volume I. by Adolf Harnack (Grand Rapids, MI: Christian Classics Ethereal Library), p.177.

[7]Justin, Apol. I.53, Dial.47; Euseb. H. E. IV.5; Sulpic. Sev. Hist. Sacr. II. 31; Cyrill, Catech. XIV. 15.

[8]Ibid.


==========================================================================

 
الفصْل الثاني


كيف تصرّف لوقا في نصوص التاريخ؟!!!
هل حقّاً دوّنَ لوقا بِصِدْق كما وصلَهُ وسمِعَه؟!!
كيف تعامل مع كُلِّ ما يخُصُّ يعقوب والرُّسُل ؟!!
وكيف تعامل مع بولُس ؟!!!


أهميّةِ تناوُلِ لوقا لِتاريخ كنيسة أورْشاليم المندثِرة ورُسُل المسيحِ اليهود:

للوقا أهمِيّة خاصّة دونَ غيْرِهِ لأنّهُ مِن بيْن جميع مؤلِّفي العهد الجديد , كان هو الموالي الأول لبولُس .. وكان لوقا تلميذ بولُس وليس الرُّسُل ... واتّفَقَ النُّقاد على أن هذا الكِتاب مِن تأليفِ لوقا , بعكْس الحال مع اخْتِلافهم وتشكُّكِهِم في مصادِرِ باقي الاناجيل ونسْبتِها إلى أصْحابِها .... يرْوي بولُسُ أنهُ عاش مع بولُس , وتنطِقُ كلِماتُهُ أنه كان بولُسِيّاً حتى النُّخاع ..... لم يرى الرُسُل ولم يتعامل معهم ... فكيْفَ تناوَلَ هذا الأممي البولُسِيُّ حتى النخاع حياةَ المسيحِ وتعاليمَهُ وتاريخَ رُسُلِهِ وأتْباعِه اليهود ؟!!! .. وما حقيقة ما حدَث بين الرسل وبولُس وأراد لوقا أن يُخْفيهِ ؟!!!....



لوقا ويعقوب و اليهود المتنصرين :



1- أولاً : يعقوب في انجيل لوقا

2- ثانياً : أعمال الرُسُل أم أعمال بولس.
3- ثالثاً : بولسة بُطرس والرُسُل وبطرسة بولس.
4- رابعاً : يعقوب في أعمال الرُسُل.

==================================================


(1)



أولاً : يعقوب في انجيل لوقا






عِلاقةُ لوقا بيَعْقوبَ في إنْجيلِهِ :

العِلاقة مِن كلِمَتيْن هُما : التجاهُل والتهميش .!! ..القارىء لإنْجيل لوقا سيوقِن أن لوقا لم يعْلَم أي شيء عن يعْقوب .. أو سيُدْرِك أن يعْقوب هذا ليْس بِتِلْكَ الأهمِيّة ليذْكُرهُ لوقا ولو اسْماً .... إن كاتب إنجيل لوقا .... وتلميذ بولس الرسول الأممي .. سطّر إنجيلاً كاملاً وأتبعه بكتاب آخر اسمه أعمال الرُسُل.. !!! إلا أنه في إنجيله لم يتطرق ليعقوب ولو حتى بالإسم ..!!.. برغم تطرُق متى ومُرْقُص لاسمه ..!!...





لوقا اعْتَمَد على إنْجيلِ مُرْقُص كأحدِ مصادِرِهِ الرئيسِيّة:

غالب آراءِ العلماء تسْتَقِرُّ على ان انجيل مُرْقُس كُتِبَ أولاً ... وأن متى ولوقا اقتبسا من مُرْقُس[1] ..!! وفي ذلِكَ يقول تادرُس يعْقوب ملطي : " إن كان هذا السفر يعتبر الأساس لإنجيلي متّى ولوقا، لكن له طابعه الخاص به"[2]... ويقول أنطونيوس فِكْري : " الإنجيل بحسب مرقس البشير : يعتبره كثير من الدارسين الأساس الذي أخذ منه متى ولوقا."[3] ... وإن كان هذا هو الحال فإنه بالتالي حينَ يتعرّضَ مُرْقُص ليعْقوب ويذكُرُ اسْمَهُ , فإننا نتوقّعُ أنّ متى ولوقا كِليْهِما سيحْذُوانِ حذوَه .. ولا يوجَد أيُّ مُبرِّرٍ يُجْبِرْهُما على التغيير والتبديل .... لِنرى نفْس النص في الأناجيل الثلاثة :



1- انْجيل مُرْقُس يُوضِّح أن يعقوب وإخْوتُه شخْصِيّة معْروفة عِنْدَ اليهود ...."أليس هذا هو النجار ابن مريم وأخايعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان؟ أوليست أخواته ههنا عندنا؟» فكانوا يعثرون به." مرقس6: 3



2- انجيل متى ينْْقُل النص مع بعْض التغييراتِ الطفيفة , إلا أنّهُ يْحافِظ على جعْلِ يعقوب وإخْوتُه شخْصِيّة معْروفة عِنْدَ اليهود .... "أليس هو ابن النجار؟ أليست أمه تدعى مريم وإخوته يعقوب ويوسف وسمعان ويهوذا؟" متى 13: 55 .


لكِن ماذا عن لوقا ؟!!!!
انعَدَمت أمانةُ النقل

3- انْجيل لوقا .... يحْذِف الإسْم ... ولا يوجَد أهمِيّة لِذِكْرِه أو التعْريفِ بِه .... "و كان الجميع يشهدون له و يتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه و يقولون اليس هذا ابن يوسف" لوقا 4: 22




وها هو الصمْت المُطْبِق ... لماذا تغاضى لوقا عن ذِكْرِ اسْم اخوةِ المسيحِ ... ولِماذا تغاضى عن ذِكْر يعْقوب البار ؟!!!... ما سبب انْعِدامُ أمانةِ النقلِ هنا ؟!!!



لوقا الذي اعتمد على مُرقص في كتابة إنجيله ,لم يُعنِه من هو يعقوب حتى ولو بذكر الإسم برغم ذِكر مُرقص لإسمه.!!..فلم يكن اميناً في نقل الاسماء من مرقس في حين نقلها متى في انجيله كما هي , وبكل أمانة .


لوقا لا ينقل بسذاجة , وانما له غرض يُخفيه :

و يؤكِّد علماء الكتاب المُقدس , كما تقول دائرة المعارف أن لوقا لم يُحاكي مُرقس محاكاة ساذجة , وإنما مدروسة وذات غرض..
" أغلب النقاد المعاصرين يرون أن كلاً من متى ولوقا كان لديهما إنجيل مرقس مع غيره من المراجع فمتَّى- إن كان قد استخدم إنجيل مرقس - قد سار فى الأصحاحات الأولى، على ترتيب موضوعى جامعاً بين مرقس ومصدره الآخر أو مصادره الأخرى، أما لوقا فقد سار على ترتيب مرقس تماماً فى ذلك الجزء، بل وفى كل الإنجيل تقريباً (فيما عدا الجزء من 9 : 51-19: 27، فهناك مشكلة خاصة بهذا الجزء) ولكنه فى خطوطه العريضة ينهج نهج مرقس.... ولكن لا يمكن القول بأن لوقا - لو أنه استخدام إنجيل مرقس- قد حاكاه محاكاة ساذجة" [4] ..

و مِن هنا نسْتنتِج: أنّهُ طالما كان نقْلُ لوقا مِن مُرقُص نقْل مدروس ولهُ غرَضُه ... فإنّ لِحَذْفِهِ لإسْم يعقوب حين لم يكُن هناك اي مبرر لحذْفِهِ غرَضٌ وحاجة في نفسِ يعْقوب ...!!!



وأخيراً ... قد تبْدو هذه المُلاحظَة للوهْلَةِ الأولى عادِيّة ولا قيمَةَ لها , ولكِن حينَ تكْتمِل الصورة ... ونُدْرِكَ حقيقةَ ما فعلَهُ لوقا ... فلا ولن يُنظُر إلى هذا "التغاضي والتهميش للإسْم " كأمْر طبيعي ... أبداً.




________________________________

[1] وقد اعترف العلماء لفترة طويلة أن مرقس هو أول الأناجيل تأليفًا ، وأن متى و لوقا كليهما استخدموا رواية مرقس كمصدر للقصص التي حكياها عن يسوع. فإنجيل مرقس يحوي 103 قصة عن يسوع , ذُكِرَ مِنْها متى 98 قِصّة في إنْجيلِه ..!!! , وتبقّى خمس قصَص , لم يتْرُكها متى دونَ ذكْر , بل قام بسرْدِ قِصَصٍ موازِيَةٍ ومُشابِهةٍ لها ..!, بيْنما نجِد أن انجيل لوقا ققد قامَ بِِنَقْل 350 عدد من انجيل مُرْقُس .. ولم يتبقى في انجيل مُرقُس إلا 31 عدد انْفَرَدَ بِهِم لم ينقُلْهُ عنه لوقا او متى.راجِع في ذلِكَ المدخل إلى العهد الجديد 1/169..

[2] تادرس يعقوب , تفسير العهد الجديد : مقدمة للأناجيل الأربعة (4- الحجاة إلى اربعة اناجيل ).

[3] المدخل إلى العهد الجديد 1/173..

[4] دائرة المعارف الكتابية – لوقا.


 ==============================================


ثانياً : أعمال الرُسُل أم أعمال بولس..!!







وإن انتقلنا من إنجيل لوقا إلى كتابه الآخر , فمن المؤكد أنه حين نذكر هذا الإسم (أعمال الرُسُل) فإن أول ما يبتدر إلى الذهن الواعي والمُتيقِّظ دونَ عناءٍ أن كاتبه حتماً سيتطرق أولاً إلى أعمال يعقوب البار أخو الرب .. ويُتْحِفُنا بشرح مُستفيض عن روائع ومعجزات وبركات هذا الرّجُل الذي اعْطاه التاريخُ أضْعافَ أضْعاف ما أعطًَتهُ كنائِسُ المسيحِيّةِ كُلِّها .. وفوْقَ كُلِّ ذلِكَ فإنه القائد الرسمي والوريث الشرعي لكنيسة المسيح وعقيدته ودعواه ...فهو الأولى بالحديثِ والإطالة .... ثُمّ بعْدَ ذلِكَ يعْرُجُ إلى مالذ وطاب من أحْوالِ وأعمْالِ بطرس .. ثم الرسل الإثنى عشر , فرداً , فرداً , ثم أخيراً بولس ..!! , وذلِكَ ليكون الكِتاب إسماً على مُسمى .. أعمال الرُسُل .!!





أعمال بولُس لا الرُسُل :


كاتب بتلك المهارة الأدبية والتاريخية كلوقا - كما يزعم علماء النصارى - كان من المؤكد أن يبدأ تاريخ الرُسُل وأعمالهم بسيرة كبيرهم يعقوب ...!!..إلا أن هذا لم يحدُث فأعمال الرُسُل صارت أعمال الرسول.!! ...





واختفى مع يعقوب باقي الرُسُل جميعاً وصاروا ليْسَ أكْثَرَ مِن آلات فاعِلة لتقديم شخصية الكِتاب بولس ..!!





لِما لا نجِد شيئاً عن يعقوب في سفر الأعمال ؟!!...


لماذا تحول أعمال الرسل إلى أعمال الرسول أو لنقل أعمال بولس ؟!!...



لما صار بولس وحده مُنفرِداً بكتاب الأعمال و ضاعت أعمال الرُسُل الآخرين ؟!!....




هل تدخلت الوساطة في كلام الله و وحيِه ...خِدمة التلميذ[1] لأستاذِه [2] ؟!!... تلميذ بولس يكتب كتابه لأجل معلمه ويتغاضى عن أعمال الإثنى عشر عظيماً الذين سيجلسون على كراسي الدينونة يدينون بني إسرائيل ..!!!





في الحقيقة من يُطالع أعمال الرُسُل هذا فإنه لن يألوا جهداً في إدراك مغزى كتابة لوقا له , فإن لوقا كتب هذا الكِتاب ليس لأجل الرُسُل - يعقوب وإخوانه - كما قد يُضللنا الإسم , وإنما ليُخصصه لمُعلّمه الأممي بولس ..



28 إصحاحاً كاملاً للرُسُل يُخصص لوقا منهم 17 إصحاح لبولس وحده ..!!!




بولس هو مُعلِم لوقا... بولس الذي غيّر تعاليم المسيح بالكُليّة , ولم يكن أحد الرُسُل وليس له أي دليل على أن المسيح قد أرسله إلا ما ادّعاه هو شخصياً أن المسيح ظهر له في طريقه إلى دمشق ...!!... بولس هذا يأخذ نصيب الأسد من كتابات لوقا بعد المسيح ...!!



ابتدأ لوقا حديثه ببُطرس , ثم تطرق إلى هذا اليهودي شاول الذي سام أتباع المسيح سوء العذاب وقتّلهم وشرّدهم[3] وكان مفتاح سيرة وأعمال بولس هو تبيان وجه بولس (شاول) البشع قبل أن يؤمن.





ثم استخدم لوقا أيقونة أسماها استيفانوس, ليكون استفانوس أول شهيد في المسيحية على يد شاول (بولس)[2] استفانوس هذا يُقتل صريعاً على يد شاول (بولس) .... وما يهمنا هنا هو أن إستفانوس الشهيد برغم أهمية كونه شهيد المسيحية الأول إلا انه لم يُعرف له أي دور في المسيحية الأولى ولم يُعرف له أي حدث مهم إلا هذه القصة التي ذكرها كاتب الأعمال و استُشهد فيها استفانوس في وجود شاول .




وكأن أهمية استفانوس وأهمية استشهاده هو وجود شاول فقط لاغير . لقد أجاد لوقا الدراما في سرد قصة مصرع استفانوس الشهيد ورسم صورة مُروعة عجيبة لمسرحية رجم مُتكلفة تقُد مضجع القارىء المُسالم الجالس في أمان على وسادته وتستبدل هدوؤه بالرهبة والهلع من العقاب اليهودي على كل كافر مُجدف.
إذاً فهدف هذه القصة واضح وهو تقديم شاول الى مسرح الاحداث والتعريف به في وجهه القبيح كفريسي يهودي , وليس التعريف بقيمة استفانوس . فاستفانوس قد يكون اي شخص آخر .أما شاول فلا يُمكن ان يتغير لأن السفر كله صُنع خصيصاً له.





ثم يُخبرنا لوقا كيف أنه إمعاناً في السفك فقد تتبّع بولس تلامذة المسيح من النصارى المُتهودين[4] , الذين هربوا منه إلى دمشق ليقطع شوكتهم ..! ولكن فجأة ظهر له المسيح في السماء يُناديه (شاول , شاول ..لماذا تضطهدني ؟!!)[5] .. ليؤمن شاول ويعود ادراجه ويُصبح بولس الرسول ومن هنا تبدأ القصة الكامِلة لمُعجزات بولس ولعهد النعمة التي صارت بفم بولس للأمميين ...!! ومن هنا يُكمِل كاتبنا كتابه كُلُه عن بولس إلى النهاية .!!






فأين أعمال باقي الرُسُل يا لوقا ؟!! ..



لا نعلم عنهم شيئاً ....!!...








ولكن لماذا ذكر لوقا بعضاً من أعمال بطرس ..؟!!..



ألا يُغني ذِكره لبطرس اليهودي عن ذِكر أعمال يعقوب اليهودي ...؟!!!...



بالتأكيد لا يُغني ذِكْر بُطرس شيئاً عن ذِكْر يعقوب و لم يكُن بطرس أهم من يعقوب ..!!







و إن كان في ذِكر لوقا لبعض أعمال بُطرس هدف ..



فإن في إخفائه لأعْمالِ يعقوب أهداف!!







ويتبع



______________________________________


[1] لوقا كاتب الأعمال و الإنجيل هو التلميذ الأمين للوقا , وهو وحده الذي بقي من اتباع بولس وفياً لأستاذِه فيما تخلّى عنه الجميع و هجروه وكفروا بتعاليمه كما يعترِف بولس نفسه أكثر من مرة , ولم يبقى معه إلا لوقا الذي رافقه في سجنِه كما يقولون ..:


" لأن ديماس قد تركني إذ أحب العالم الحاضر وذهب إلى تسالونيكي .....لوقا وحده معي". 2 تيموثي 4: 10- 11 .


[2] بولس هو مُعلِّم لوقا ويذكر الرسول بولس لوقا ثلاث مرات في رسائله (كو 4: 14, 2تي 4: 11 , فل24 ) , ولكن لوقا \نفسه لا يذكُر اسمه مطلقاً , و لا في الإنجيل و لا في سِفْر أعمال الرُسُل .

[3] "كان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت، ويجر رجالاً ونساءً، ويسلمهم إلى السجن ) (أعمال 8 :3 ).

[4] أعمال الرسل , الإصحاح السابع.

[5] (أعمال 9: 1- 2 )أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّداً وَقَتْلاً عَلَى تَلاَمِيذِ الرَّبِّ فَتَقَدَّمَ إِلَى رَئِيسِ الْكَهَنَةِوَطَلَبَ مِنْهُ رَسَائِلَ إِلَى دِمَشْقَ إِلَى الْجَمَاعَاتِ حَتَّى إِذَا وَجَدَ أُنَاساً مِنَ الطَّرِيقِ رِجَالاً أَوْ نِسَاءً يَسُوقُهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ

============================================================
ثالثاً : بولسة بُطرس والرُسُل وبطرسة بولس.



(1)
مُقدِّمة





إن من يقرأ كِتاب الأعمال سيجِد فيها خُطوطاً عريضة من رومانسيّة مُبتذلة وغير مفهومة ويُمكِن تلخيصُ أهمها في نِقاط أربعة [1]:

1- انتِهاء اعتراض الرُسُل الأوّلي على تعاليم بولس بتأنيبِهم له تأنيب المُحِب...!!

2- رُضوخ بولُسَ الكامِلِ لِلرُّسُلِ .. رُضوخ التابِع..!!

3- رضا الرُسُل عن بولُس ومُباركته ودعوة أتباعِه إلى تصديقه...!!

4- موافقة وترحيب بولس لطلبِ يعْقوبَ بفرْضِ بعْضِ الناموس على الامميين[2].!!




إلا أنه من بين ثنايا كتاب الأعمال تظهر خِلافات قُطِعت فجأة أو انقطع حديث لوقا عنها ولم يشأ , "عن عمد؟" أن يُعطِها تلك الأهمية .. ويُمكن تلخيصها في خلافات أربعة :


1- خِلاف غامِض و غريب ظهر من اليهود المُتنصّرين تجاه بولس برغم انه امتثل للعقاب ولأوامر يعقوب ...!!!

2- صمْت غريب وغامِض عن دوْر يعقوب الذي يبدو وكأنه غرّر ببولس حتى ياتي لليهودية , وبرغم وعدِه لبولُس بمُلاطفة الأمر إن نفّذ الناموس, إلا أنه وهو قائِد اليهود فإنهم قبضوا على بولس ليقتصّوا مِنه برغم امتثاله لحُكم الناموس...أو رُبما مما يعني أنه لم يمتثِل للناموس وأن لوقا قد كذب أو زوّر التاريخ .!!

3- بولُس يكذِب ويتصرف بدهاء ويخدع هؤلاء اليهود ويهرُب إلى روما !!

4- خِلاف بين بولس وبرنابا , مع أن برنابا هذا نفسه هو من قدّم بولس للرُسُل , وفراق كل منهما للآخر , والتعتيم على ذلك و دون معرفة السبب وكأنه خِلاف غير جوهري..!!


مما سبق يتضّح أن لوقا يُضمِر في كتاباته شيئاً ما , ليست هذه كتابة مؤرِّخ و إنما كتابة تضليل وتلوين. حين نقرأ الأعمال فإننا نُدرِك أنّ أمامنا كاتِبٌ يجتهِد لإخفاء شيئ ما , وإظهاره بصورة وردية تدعو للحيرة ... شخص لا يكتب بغرض تدوين التاريخ وإنما يكتب بغرض تأليف وتزييف التاريخ[3]... شخص يكتِب وغايتُه تقديم بولُس وتأخير الرُسُل وإظهار رومانسية مُصطنعة ... !!.







لقد كان مقصِد لوقا هو تذويب الخلافات و إخفاء الثغرات
التي شابت العِلاقة بين بولس وبين اليهود المُتنصِّرين ,







ولأجل تذويب هذه الخِلافات فقد عمد لوقا إلى :


بطرسة بولس , وإلى بولسة الرُسُل ورمزهم بُطرس .!!




ويتبع



________________________



[1] سيأتي تفصيل ذلِك في فصل .." كشف اللغز .. وإزالة الغطاء اللوقاني المُزيّف عن حقيقة بولس ..!!"



[2] أعمال 9: 3- 4.



[3] أعمال 15: 20 "بل يرسل إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم." , ولكن سنرى في الصفحة التالية أن بولس لا يعرِف شيئاً عن اتباع الناموس الذي وعد به يعقوب , ولا يتذكر إلا أن يعقوب أمره بان يهتم بالأبيونيين ...!!
 ============================================================
ثالثاً : بولسة بُطرس والرُسُل وبطرسة بولس.



(2)


في الحقيقة إن الحديث عن لماذا استفتح كاتب الأعمال ببُطرس وعدم تطرقه إلى يعقوب وباقي الرُسُل .. يُفسره لنا نبوءة تكادُ تكونُ صادقة نقَلَها الكتبةُ منْسوبة إلى المسيح صلى الله عليه وسلم , حيْثُ تنبّأ فيها عن بُطرس ... فقال له ..



"الحق الحق أقول لك: إنك لما كنت شابا كنت تربط حزامك على وسطك وتذهب حيث تريد. ولكن عندما تصير شيخا فإنك تمد يديك، وآخر يربط حزامك ويذهب بك حيث لا تريد!"[1] .



لقد تنبأ المسيح عن بُطرس بأنّهُ حينَ يهْرُم فسيُمنْطِقُهُ غيْرُه ..!!!

بُطْرُسُ الذي طكان في شبابِهِ يتمنطق بحزامه بنفسه , حين يهرُم فسوف يُمنطِقه غيرُه , وهكذا يؤوّله عنوة ما لا يُريده ولا يرغبه .. فهل يكونُ تفْسيرُها قد تمّ حينَ ألبس لوقا الحِزام البولسي لبُطرس , وتأوّل ونطق على لِسانه ما لا يعرِفه ولم يقُله بُطرس[2] ؟!!!!!! ... وكان غرض لوقا هو بولسة بطرس وبطرسة بولس وتزوير التاريخ ...!!..




إذاً فالرسول الآخر غير بولس الذي تعرض له لوقا هو بُطرس

والذي ما تعدى كونه أيقونة استخدمها لوقا


وقد أفرد لوقا عن سيرةِ بُطْرُس لا لشيء إلا لِيُمهّد الطريق لوصفه وتغزُّله في سّّّيده بولس ... فلابُد أن يكونَ بُطْرُسُ هذا بولُسِيّ العقيدةِ , حتى يجِدَ بولُس عند الأجيالِ القادِمة الأرضَ المُسْتَقِرّة , والحُجّة الراسِخَة بأن بولُس لم يكُن بٍِدْعاً من الرُسُل بل هو وبُطْرُس وباقي رُسُل أورْشاليمَ دعْواهُم واحِدة ..!!!



وهكذا من أيقونةِ بُطْرُس , استطاع لوقا تأليف تاريخ جديد للكنيسة الأولى , مُخفِياً فيه الخلاف العقدي والجذري بين بولس و رُسُل المسيح , فيظهر بُطرس تابعاً كاملاً لبولس , ويعقوب مُصدّقاً ومؤمناً على , بولُسَ , والذي جعَلَ مِنْهُ لوقا خطيباً بارِعاً , خطب بالرُّسُل ودعا جهاراً بالتعاليمِ بيْنَهُم , بل ويجعل اليهود و ياللعجب .. مُعادين لبُطرس اليهودي , بمثل معاداتهم لبولس الطرسوسي ..!!!




أخفى لوقا بمهارة وحذاقة كل هذه الخِلافات بين الرُسُل وبولس , و نقلها لتكون بين بطرس واليهود , وهكذا صار بُطرس اليهودي بولسياً [3]..!! ..



إذاّ فلوقا كاتب الأعمال له رسالة واضحة لكل من يقرأ ما كتب :

إن رسالته بكل بساطة هي التوفيق بين نقيضين ..!!


1- النقيض الأول هم النصارى المُتهوِّدون في أورْشاليم بزعامة يعقوب أخو الرب ومعه بطرس ويوحنا وبرنابا , والتوفيق بينهم و بين

2- النقيض الثاني وهم المسيحيون الأممييون في أنطاكية بزعامة بولس الرسول .. بل وإظهار الرُسُل بمظهر الإتفاق الدائم والطاعة فيما بينهم .. مُستعيناً ببُطرس كرمز ليهود الناصرة ومنه يعمد الكاتب في سفر أعمال الرسل إلى بولسة بطرس[4] وبطرسة بولس .. وتذويب الهُوة بين الأمميين واليهود المتنصرين !! وهذا يُناقض تاريخية الأحداث ,ويُناقض تماماً أمانة النقل التاريخي.



بل إمعاناً في الحبكة فإنه يجعل الصراع اليهودي مع بولس يتعداه ليجعله ضِد بُطرس أيضاً وباقي رُسُلِ المسيحِ اليهود ... وكأنه يوهمنا أن بطرس كانت دعواه كدعوى بولس , وأن كلاهما يُهاجم صلَفَ اليهود ..!


ولعل أعظم الخِلافات التي حاول لوقا إخفائها تلْكِ التي مع برْنابا: الخِلافاتُ تلك التي كانت بين بولس من جهة وبين برنابا ويعقوب وبطرس من جهة أخرى..!!





وكاد أن ينجح لوقا في تزوير التاريخ و تحويل الصراع إلى رومانسية والعداء إلى محبة ... لوْلا أن :

1- لوْلا أن رسائل سيّده (بولُس) قد فضحته :

فلم يدُر بخُلد لوقا أن لبولس رسالة إلى غلاطية ستجِدُ طريقها إلى أتْباعِ الكنيسةِ , و فيها قال و أقر بولُس: بغيْضٍ من فيْض .!! , وفيها يتجلّى ما ظهر من بولس تجاههم في الرسائل من مخالفة وفراق واتهام وصل إلى التشكيك في إيمانهم ..!!

فكانت هذه الرِّسالة علامَةَ اسْتِفْهامٍ , يُشكِّكُ بِها النُّقاد في أن لوقا لم يُعاصر بولس أو أنه يُؤلف التاريخ وليس يُدونه .. جاعلاً الرُسُل أشبه بالتلاميذ المُطيعين لبولس والمؤمنين المُسبحين بتعاليمه[5] ..!!!..



2- ولولا أن ليعقوب رسالة دخلت في الإنجيل رغماً عن أصحابها :

رِسالةُ يعْقوبَ , والتي جاءت , تُعمّق الهُوة وتؤكد الفجوة , مما جعلَت مارتِن لوثَر كاد أن يقذِفَ بِها , لمخالفتِها لتعاليمِ بولُس ... وبرغم الشك في أصالتها ونسبتها إلى يعقوب ... إلا أن ما فيها يسْتحِقُّ الوقفات !!





2- ولولا أن التاريخَ زمْجَر:

وكاد أن ينجح لوقا لولا أن التاريخ قد زمجر وأفاق , وأخرج من باطن الأرض المستنداتِ والأوراق ... وبانَ مالم يكُن يعْلَمُهُ النّقاد ... ولكِن جاءَ مؤكِّداً لِكوكِهِم وأن لوقا بالفِعْل زوّر وألّف التاريخ ولم يُدوِّنهُ !!




يتْبع


__________________________________________________ ____

[1] يوحنا 21 : 18.

[2] أضاف كاتب الإنجيل تفسيراً من رأيه الخاص ولم يقله المسيح ولا نعلم أساساً له أي إثبات إلا اللهم درء الحرج , وهذا حالهم داماً يُفسر كل كاتب من وجهة نظره النبوؤة كما يراها بعينه وأفقه , و لو أنهم تركوها بلا تفسير لكن خيراً لهم , ولكنهم كعادتهم أقحموا نفسهم متسرعين في تفسير النبوؤات دون انتظار لما قد يُسْفِر عنه ما أعده الله في الغيب . وكأنهم يعلمون تماما زمان كل نبوؤة ولاحول ولا قوة إلا بالله فضلّوا وأضلّوا حين قوّلوا مالم يقُله المسيح ... فيقول كاتب هذا الإنجيل : " وقد قال يسوع هذا إشارة إلى الميتة التي سوف يموتها بطرس فيمجد بها الله . ولما قال له ذلك، قال له: «اتبعني».

[3] الاصحاح الثاني عشر- أعمال.

[4] لوقا يُقوّل بُطرس بأنه قد نادى بتعميد الأمميين فعمّد كرنيليوس , وحين واجهه الإخوة في أورشاليم بأنه أكل مع الأمميين فإنه عزى ما فعل إلى الروح القُدُس التي زارته في منامه ..(الإصحاح 10, 11 ) , راجع أيضاً أعمال الإصحاح 9 إلى 15 .

[5] راجع الإصحاح الخامس عشر – أعمال الرسل , وفيه يجعل لوقا كلا من بطرس ويعقوب يشهدان لبولس وتعاليمه ...!!
 

هناك تعليق واحد: